لماذا عاد “بلخادم” إلى حزب جبهة التحرير في هذا الوقت بالضبط؟

الساعة تشير إلى تمام الرابعة من عصر 4 دجنبر 2018، مكالمات هاتفية مكثفة في المحيط الخارجي، وقاعة مهيأة بالكامل داخل المقر لتنظيم ندوة صحافية عاجلة. دقائق بعد ذلك، يصل موكب من 6 سيارات تقل الأمين العام السابق للحزب الحاكم عبد العزيز بلخادم، والذي يعود إلى مقر جبهة التحرير الوطني بعد 5 سنوات من مغادرته مطروداً.
تبين الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، أن المئات من مناضلي الحزب كانوا بانتظار الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم، والذين استقبلوه بالعناق والأحضان وقُبلات على الرأس.
بلخادم وصل مقر حزبه على متن سيارة ألمانية سوداء فخمة، ودخل المقر وسط حراسة شخصية ومشددة، ما طرح الكثير من التساؤلات بشأن هذه العودة القوية.
الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي جمال الدين بن فوغال، اعتبر عودة بلخادم في سيارة رئاسية ومصفحة، وبحرس شخصي مكثف، تدل على أن هذه الشخصية لم تغب يوماً عن المشهد السياسي الجزائري كما يبدو للبعض.
وقال بن فوغال إن عودة بلخادم كانت بعد ترتيبات دقيقة، وإملاءات من السلطة، ولعل طريقة وصوله إلى مقر الحزب واستقباله من قبل المناضلين لخير دليل على أن لهذه الشخصية دوراً ما.
وقال المنسق الوطني للحزب الحاكم معاذ بوشارب إن جبهة التحرير الوطني «أمام فرصة ذهبية لإعادة شمل أبنائها، بداية من المناضل عبد العزيز بلخادم، وقيادات الحزب ستحاول إزاحة العوائق التي كانت تعرقل السير الجيد للجبهة في السنوات القليلة الماضية».
وقال العائد إلى الحزب العتيد عبد العزيز بلخادم عن تطهير الحزب من الدخلاء: «عندما نهبط إلى الخطاب البذيء يجب تطهير الحزب»، ورفض المتحدث الخوض في التفاصيل.
في حين جدد الحزب الحاكم دعمه للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ورفض الحديث عن الولاية الخامسة، ونية بلخادم الترشح إلى رئاسيات 2019.
ويرى الناشط والمحلل السياسي حكيم مفتوح، أن عودة عبد العزيز بلخادم في هذا التوقيت بالذات، ناتجة عن الوضع الذي آل إليه الحزب، والانشقاقات التي باتت تشهدها مختلف المحافظات بالولايات الكبرى.
وأضاف أن المهمة الأساسية لعبد العزيز بلخادم هي ترميم الحزب من التصدعات التي ضربته مؤخراً، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، والتي أدت إلى تفجر الوضع في عدد من ولايات الوطن.
وتوقع المتحدث نجاح بلخادم في مهمته لأنه «مدعوم من السلطة بكل الإمكانيات، زيادة على كونه محنكاً وخبيراً في هذا الشأن، واستدعاؤه في هذا الوقت دليل على الثقة الكبيرة للسلطة في هذه الشخصية.
القيادي في حزب حركة مجتمع السلم المعارض نعمان لعور أوضح لـ «عربي بوست» أن دعوة بلخادم خطوة لإعادة الحزب إلى مكانته، وتركه في دائرة يصعب منافستها، على حد تفكير الحزب.
وأشار لعور إلى أن مثل هذه الخطوات مألوفة في الحزب «ففي كل مرة تحدث مشاكل بداخله، تتم الاستقالات والإبعاد عن الحزب، ثم تدور الأيام ويتم استدعاء هؤلاء إلى مهام أخرى كلها تصب في خدمة السلطة طبعاً».
استدعاء عبد العزيز بلخادم في هذا التوقيت بالذات في نظر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي جمال الدين بن فوغال، جاء لتأمين منصب الرئيس للحزب الحاكم في الجزائر، بحكم تجربته وحنكته السياسية.
وقال جمال الدين إن حزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر بات متخوفاً من ضياع منصب رئيس الجمهورية، في ظل الوضع الصحي الصعب للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وتراجع الحديث عن ولاية خامسة.
القيادي في حركة مجتمع السلم نعمان لعور يذهب في نفس الاتجاه، «عودة بلخادم إلى الحزب جاءت من أجل الرئاسيات المقبلة، لأن السلطة والحزب سواء بدأوا يفقدون الأمل في ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة».
وأردف لعور: «لا يمكن لحزب جبهة التحرير الوطني، أن يستسلم بسهولة في حربه نحو كرسي الرئاسة، وسيعمل بقيادة هذا الخبير المستدعى، على تسخير كل السبل والوسائل من أجل ضمان كرسي المرادية (قصر الرئاسة)».
فحزب جبهة التحرير الوطني في نظر لعور، لم يعد حزباً سياسياً بقدر ما هو جهاز في يد السلطة، تضمن لنفسها ما تشاء، أكان من خلال قبة البرلمان وسن القوانين، أو من خلال الانتخابات الرئاسية التي هي على الأبواب.
ويرى الإعلامي والناشط السياسي علي ذراع، بأن المسيرة السياسية لعبد العزيز بلخادم مليئة بالأدوار التي كانت تملى له من قبل السلطة، حتى خلال فترة حكم الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.
ولا أحد ينسى كما يؤكد ذراع الخطوة التي قام بها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، بعد قراره في 4 يناير 1992، بحل البرلمان و «بقاء عبد العزيز بلخادم في دور المتفرج».
وكانت مذكرات الرئيس الراحل للجزائر الشاذلي بن جديد، قد تطرقت إلى فترة حل البرلمان عام 1992، واعتبرت ذلك تحصيل حاصل لواقع البلاد وحفاظاً على الدماء، مع اقتراب ترك الرئيس لمنصبه حينها.
وعلل الرئيس الشاذلي بن جديد حله للبرلمان في 4 يناير 1992، بالقول «إنه لم يكن يريد تقديم السلطة لرئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز بلخادم، لأن قيادة الجيش لم تكن تثق في الرجل».
في 31 يناير 2013، أعلن رسمياً عن رحيل عبد العزيز بلخادم عن الأمانة العامة للحزب الحاكم في الجزائر، بعد اجتماع اللجنة المركزية التي صوتت على سحب الثقة بفارق 4 أصوات.
واعترف حينها عبد العزيز بلخادم وقال في تصريحات بعيد إعلان النتائج «انتصرت لأن حزبي انتصر، وأخرج مرفوع الرأس وأتمنى أن يقوم من يخلفني بعمل افضل».
لكن الأمور تطورت بعدها لما تأكد الجميع أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو ما كان وراء كل تلك التطورات، إذ وفي 26 غشت 2014، قرر الرئيس إنهاء مهام عبد العزيز بلخادم الذي كان يشغل مهام وزير للدولة ومستشار للرئيس.
ودعا حينها الإعلام بالذهاب والتحري عن الصفة الحقيقية لعائلته «إن كانت تجاهد ضمن صفوف جيش التحرير ضد فرنسا أو كانت مع السلطات الاستعمارية».
ويتساءل المحلل السياسي جمال الدين بن فوغال: كيف لهذين الرجلين اليوم اللقاء في حضن واحد والعمل لأجل مصلحة حزب واحد ووطن واحد؟.
يرى الناشط والمحلل السياسي حكيم مفتوح، أن عودة بلخادم لم تكن سلسة بالطريقة التي يظنها البعض؛ لأن «هذا المناضل سيسعى إلى استرداد مكانته وبريقه في الحزب وكذا في الحكومة».
ولا يستبعد أن يكون بلخادم قد قدم رزمة من الشروط، ولمَ لا ضمان حقيبة وزارية بعد الرئاسيات المقبلة، كشرط للعودة والجهاد في سبيل أهداف الحزب من جهة والسلطة من جهة ثانية.